lundi 21 décembre 2015

تونس الأم و الوطن ..

ما بالدار من أحد و إن هبوا و إن  ** أتى ذلك الذي لم نعرفه من قبل أبدا ..

و إن أتى و لم نره فلا رائحة له و أين ** النظير لصاحبة الزهر و العبق و الورد

في ذلك اليوم الذي ما استقصدت ذكره و لكن **  يغزو المحتل الأرض الطيية عمدا

كسفن الروم تمضي الأيام و ما علمت ** أتتمايل هي أم تمشي على هدى

فصول تمر و من شوقي ما أيقنت ** مقدار تقلبها و ما أحصيتها عددا

تلك التي لم تخش الثلوج يوما و ما ** ارتدت معطفا و ما تذمرت من حر و لا بردا

هناك بأرضها يشهد لها ** الحجر و الشجر و الزيتون و الزبد

هناك بأرضها لو سألت فضلها لأجابك** الجد و الإبن و الحفيد و الرضيع داخل المهد

ضعفنا و وهنا من بعدها و ما لغير الخالق قوة لأن ** يهيء لنا من أمرنا هذا رشدا

ألا من ذا الذي يسرد للحفيد خرافته و يعانق ** عقل الفتاة و إليه يستند الولد

أفيعقل أن تحيا أوراقا منفصلة من بعد ما ** اقتلعت الجذور و قد كانت ثابتة كزمرد؟

أفيعقل أن نتبادل الخطى في أرضها و هي التي كانت ** بأرضها الثمار و التراب و حتى قطرات الندى

صدق من أسماك تونس يا وطني و صدق من ** رآك آتية فظنك لشدتك أسدا

و ما للبحر من جمال إذا عج بالبشر و لكن ** رؤية الحبيب تنسيك وجودهم إن بعد

و ما للتاريخ من محاسن لو تعقلنا ** و ما للجسد من علو و إن صعد

هم ذهبوا و ها نحن بذات الركب نلحقهم ** سفينة لن يغير مسارها برق و لا رعد

و لو ما كانت المنية بيد الخالق لاقتتلنا ** و سفكت الدماء و ما من أحد منا بها خلد

فالمرء إن سقطت ورقته لن يأخذ من الدنيا ** شيئا و لا مثقال ذرة من الجسد

و لن يرافقك إلى بيتك الآخير غير فعلك و إن ** رافقوك إلى بابه فلن يجتازه الحشد

و كان ذلك الجندي لنا وطنا لأجله ** نحارب نهارا و ليلا نتوسد

و كان القمر حين يزورنا و لا يجدها يبكيها زلفا من الليل ** و يمضي الباقي لقدومها مترصدا

تلك التي تفوق الشمس نشاطها فتستيقظ قبلها ** و تشرق على السعيد و الشقي و المحتاج و الأنكد

تلك التي يجف القلم أسى حين ** أكتبها لذكره مرورها إلى عالم السرمد

و ما نويت بكلمي هذا معارضة أمرك ربي و ما ** بكيت لجهلي بقضائك يا أحد

لكن لجهل القلب فالقلب يجهل حين ** يكون قاسيا الليلة و صبا غدا

عسى أن تكون في الجنان سائرة ** ناعمة برضوان الواحد الصمد

و ما أردت أن أكتب أكثر من بيت لكن ** الحرف أحبها فأراد كذا و اجتهد

رحم المولى سبحانه و تعالى جميع موتانا ** و رزقهم سبحانه جنات الخلد

samedi 5 décembre 2015

عبدة الآلهة

أخذ المزارع فأسه و ما تبقى من رأسه و مضى ..
ففي حقله يوجد من الزرع ما أحب و ما اشتهى ..
و في دكانه يوجد ما تنتجه الدجاجة ، و ما تنتجه اللبؤة ..
و أما في بيته .. فبين السقف و الأرضية ، لا يوجد غير الهواء ..
و دعنا يا حبيب العرب من صلبه ، فما بصلبه غير الخواء ..
يحكى أن حبيب العرب يمر بالحقل كل يوم لجمع المحصول ..
و يحكى أن المزارع ينحني له في خشوع و استكانة و خشية و خضوع ..
و يحكى أن زوجة المزارع لا تنفك تغري حبيب العرب ..
فيقف و يترك ما جمع و ينحني لها في ذهول ..
أما هذه هي تلك التي سبق و أسماها إبن خلدون "ثقافة الغالب و المغلوب" ؟
و يحكى و يحكى و يحكى آلاف الحكايات ، حكايات من الواقع و و مالها من صدى في القلوب ..
حكاية مزارع لم ير في حقله سوى أثر أقدام الآلهة ، تلك التي صنعها فسيطرت على صنعته ..
آلهة حبيب العرب التي خيل له أن في عصيانها عصيان الرب .. و تعالى سبحانه عن خلق كذا عقول ، الداء بالنفس لا بصنعة الرب ..
و كان ذلك الذي مجده التاريخ يبيع صكوك التوبة لجني ما طاب في نفسه من ثمار المزارع و ما ابتغى ..
بلى .. لم يفعل .. ففي كتب التاريخ علمنا أنه كان يزرع الإيمان بقلوب الكفرة ، و كان يعطيهم أزهارا و حلوى ..
و كان الكفرة في مقياسه أولئك الذين لم يتبعوا ما أمر حبيب العرب و ما نهى ..
أفمن يزرع الإيمان بالقلوب غير الخالق جل و علا ..
و يحكى كذلك أن لحبيب العرب منصبا حيث مضى ..
منصبا في كل البلدان ، يميل صوب كل الأديان و اللاأديان ..
من الميثولوجيا الفينيقية إلى الفرعونية فالإغريقية و الفارسية و اليابانية و الصينية و الهندية و الكلتية و الرومانية فالجرمانية إلى الإسكندنافية ..
مرورا بالديانات التوحيدية ..
السامريون و الفريسيون و الصدوقيون و الغيورون و الأسينيون و الفقراء الإيبونيون و المعالجون ..
منصبا يتماشى مع مطالب الآلهة .. و مطالب القس و البابا و الخطيب و الإمام ..
منصبا يحمله بفمه كقطة تحمل أطفالها فإذا فتحت فمها وقع رضيعها ،و كذا يخرس صاحب المنصب في حضرة آلهة تفوقه نفوذا و سيطرة ، و كذا يخرس الإعلام ..
و كذا يخرس المزارع بالمثل، ففي حضرة الآلهة الكبرى يركع الكل في خشوع ، و تجد حبيب العرب يوزع المشروبات و الملذات و الحلويات و النرجيلة .. و تجد زوجة المزارع تجمع ما تبقى من فضلات المحصول و تطلق ضحكات متتالية ، منتشية لشراء فستان جديد لذاتها ، و هاتف ذكي لا ترتقي لذكائه، حتى تدخل الآلهة الأم إلى حيث هم .. فيسود الصمت و لا تسمع إلا همسا .. و يتقدم حبيب العرب و يمد الآلهة بالغنيمة فتصفعه و تقول : عبدتم المليم و نسيتم آلهتكم، ألا تبا لكم، لا منصب اليوم لكم، هذه اللعنة كصاروخ ستقصفكم .. أما أنا .. سأتزوج المال ليعبدني و أعبده، و لا حاجة لي بعبادتكم ..
و تبتدأ مراسم الزواج ، فيلقي حبيب العرب الأزهار هنا و هناك و تتعالى أصوات الضحك و القهقهات ..
كأن شيئا لم يكن ..
و يجلس المزارع في مَنْأىً عن الجميع ، يضع في بعض الخبز عود أراك .. يأكله و يردد في نفسه ، كفاك تنمقا .. أعد لنفسك عزها .. فمن احتلك لا يراك ..



"المغلوب مولع أبدا بالإقتداء بالغالب، في شعاره، و زيه، و نحلته، و عوائده"
المقدمة:ابن خلدون